د. رانية اللوح
لم يكن إعلان "استقلال دولة فلسطين" في الخامس عشر من نوفمبر 1988 في قاعة قصر الصنوبر بالعاصمة الجزائرية مشهدا عاطفيا، لكنه كان حجر الزاوية نحو تأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وفي كل عام يحتفل الفلسطينيون بالذكرى بتجديد الإرادة الوطنية ولتعزيز مفهوم الدولة بمؤسساتها ونظامها السياسي، رغم وجود الاحتلال الفاشي الذي بالرغم من كل سنوات النضال تلك والثمن الباهظ الذي دفعه -ومازال - الفلسطينيون ثمنا لحرية طال أمد انتظارها، ربما في ظل المشهد الفلسطيني الدامي والكارثي بما يتخلله من حرب الإبادة الجماعية الممنهجة.
نعم كان الفلسطينيون على أعتاب دولتهم وأسسوا وزاراتهم ومطارهم ومؤسساتهم الرسمية تحت علم فلسطين، وجواز سفر، لقد نجح الزعيم ياسر عرفات والذي صادف أيضاً ذكرى اغتياله في الحادي عشر من الشهر الجاري، في رفع علم فلسطين في أروقة الأمم المتحدة، وأصبح لدينا سفارات وغيره من مكونات الدولة.
وكان ممكن لهذا التأسيس أن يستمر ويتقدم نحو استقرار واستقلال واضح الملامح، لولا الانقلاب العسكري الذي قامت به حركة حماس السنة المشؤومة (2006) والتي قسمت ظهر الحلم الفلسطيني وحالت دون التمكين، والتي أخذتنا في نهاية المطاف إلى مقامرة ومراهقة سياسية وعسكرية غير محسوبة، إذ قامرت بالشعب والقضية الفلسطينية برمتها، بغطاء إيراني شيعي، لم يكن فاعلا يوماً لصالح الشعب الفلسطيني مهما توهم المتوهمون والذين ارتضوا العيش في العباءة ذاتها، في حدود فصائلية ضيقة لا تخدم حتى فصيلهم، الذي أعطى نفسه صلاحيات دولة، في سلوك مخالف للواقع ولا يتناسب مع موازين القوى.
في ذكرى إعلان الاستقلال، يرزح أكثر من مليوني فلسطيني في الخيام وظروف ليست قاسية بل لا يتخيلها العقل، ولا تقبلها الآدمية بفعل عدو مارق لا علاقة له بالآدمية.
حرب الإبادة التي قضمت أنيابها أكثر من مئتي ألف شهيد وجريح وتحت الأنقاض، وسط عجز دولي، وتشتت عربي، ومكابرة حمساوية مازالت تبيع الوهم من قصور وفنادق الدوحة التي على ما يبدو ستنفض يديها قريباً منهم بعد إنتهاء الدور المطلوب منهم، في حين وعلى مدار ثمانية عشر سنة عجاف، كانت الدوحة الداعم والراعي الأول لانقلابهم وانقسامهم الذي مزق جسد الدولة الفلسطنية الندي، والتي أمدّتهم طوال تلك السنوات بملايين الدولارات شهريا عبر "مطار بن غريون الإسرائيلي" في سلوك غريب (لكنه مفهوم)، أن يسمح احتلال بمد مقاوميه بالمال ؟!
وفي ذكرى الاستقلال، نحن في أسوأ حالاتنا الفلسطينية، حيث الاحتلال من جديد، خرائط الجغرافيا على طاولة الكيان ليتم تحديثها بالاستيلاء وضم الأراضي الفلسطينية وسرقتها من جديد، وكأننا نبدأ مع الاحتلال من الصفر، سنقدم مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى والنازحين الجدد من جديد، ويزيد هذا الأمر من احتماليته بصعود الرئيس الأمريكي القديم الجديد "دونالد ترامب" الذي يدعم بل شريك فعلي في تعزيز الاستيطان، بل وطرد الفلسطينيون من ديارهم، وهذا ما صرح به منذ أيام بعد نجاحه بالانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر الجاري: " على الدول العربية أن تستقبل الفلسطينيين". إضافة لفريقه الذي اختاره ليصاحبه للبيت الأبيض والذي يتضمن شخصيات كارهه للفلسطينيين وداعمة للاحتلال بكل ما يقوم به من إبادة وقتل وتهجير بحجة أمن إسرائيل.
في يوم الاستقلال يعاد احتلالنا من جديد، دون أي خطوة لإحداث تغيير في الحالة الفلسطينية ودون أي رؤية سياسية وطنية فاعلة لمجابهة الوحش القادم والذي يريد الانقضاض على ما تبقى من المشروع الوطني.
فهل اختار الفلسطينيون أن يكونوا مفعولا به حتى الشبر الأخير من الوطن، وهل أن ساحات النضال التي خاضوها على مدار عشرات السنوات لم تسعفهم لوضع استراتيجية واضحة أو برنامج وطني فاعل؟!
لا شك أن دولا إقليمية بذلت جهد كبير لإيصال الحالة الفلسطينية لما هي عليه، لكن أيضاً هناك فئة ضالة ساعدت وسرعت الوصول، ومع ذلك لندع الأسباب جانبا لحين وقتها، ومطلوب تغيير جذري في نمطية التفكير والأداء وتحرك شعبي، دبلوماسي، ورص الصفوف الفلسطينية واتخاذ خطوات أكثر جرأة وحزم، فنحن على أعتاب الفصل الأسوأ في تاريخ الاحتلال الصهيوأمريكي لفلسطين.