قبل الخوض في صلب موضوع المقال إرتايت من الأهمية التذكير بطبيعة الكيان الإستعماري السرطاني الإسرائيلي التوسعي ذا الطابع الإرهابي في سياق حرب الإبادة والتطهير العرقي التي يشنها دون توقف بحق الشعب الفلسطيني منذ إعلان كيانها العدواني عام 1948 غير ناس المجازر والجرائم التي إرتكبتها العصابات اليهودية الصهيونية قبل عام 1948 ومنها :
* مضي ست وخمسون عاما على عدوان حزيران 67 الذي أسفر عن إحتلال الضفة الغربية من نهر الأردن والتي كانت جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية.
* مضي 75 عاما على إحتلال إستعماري إحلالي لنصف مساحة الدولة العربية الفلسطينية المحددة مساحتها باربع واربعين بالمائة من مساحة فلسطين التاريخية بموجب قرار التقسيم الظالم بحق الشعب الفلسطيني رقم 181.
* رفض تنفيذ أي من مئات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني الأساس المكفولة دوليا بالحرية والإستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف خلافا لإلتزاماتها وواجباتها كعضو بالأمم المتحدة تنفيذ القرارات الدولية بغض النظر عن الفصل الصادرة بموجبه .
* الإمعان بكل عنجهية إنكار وجود الشعب الفلسطيني وبالتالي إنكار حقه بإقامة دولته المستقلة على أرض وطنه التاريخي او على اي جزء منه والزعم زيفا بأن كامل أرض فلسطين التاريخية هي " أرض إسرائيل " .
بلغة سياسية وقانونية وحقوقية تمكنت العصابات الصهيونية اليهودية الإرهابية بدعم قوات الإستعمار البريطاني من تحد وإنتهاك وعدم الإلتزام بتنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وعدم الإلتزام بتعهدها تنفيذ قرار الجمعية العامة رقم 273 الذي إشترط لقبولها عضوا في الأمم المتحدة تنفيذ قراري الجمعية العامة رقم 181 و 194 كما تتبجح برفض الإلتزام بميثاق ومبادئ واهداف الأمم المتحدة .
الإلتزام الأمريكي الأوربي بامن إسرائيل :
لا تنفك الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية الإعلان بمناسبة او دونها عن إلتزامها الثابت والراسخ بامن الكيان الإستعماري الإسرائيلي وضمان تفوقها العسكري والإقتصادي والتكنولوجي على مجموع القوة والإمكانيات العربية وإدامة حمايتها من المساءلة أمام المحاكم الدولية وحتى على مستوى الإدانة بالمحافل الدولية لإرتكابها مختلف اشكال الجرائم والإنتهاكات بحق الشعب الفلسطيني وعدم الإيفاء بإلتزاماتها بالقانون الدولي وبالشرعة الدولية وكان كيانها مهدد بالخطر في معادلة معكوسة وهذا ينسحب أيضا على إنخفاض مستوى ونوعية وكفاءة السلاح وتطوره المباع للدول العربية والإسلامية .
الخداع الأمريكي للسعودية :
تعتمد الإدارة الأمريكية في تعاملها مع القضايا العربية عامة والفلسطينية خاصة لحين تحقيق أهدافها ومصالحها او مصلحة احد من حلفاءها كما هو واقع في سياستها الهادفة لإدماج الكيان الإستعماري الإسرائيلي الإرهابي التوسعي في قلب الوطن العربي باقطاره على قاعدتين رئيسيتين :
* الخداع وبيع الكلام وإطلاق وعود .
* إدارة الأزمة او الصراع دون حلها .
وهاتين القاعدتين حكمتا ولا زالت تحكم الموقف الأمريكي المنحاز للكيان الإسرائيلي المصطنع على الرغم من سياسته الإجرامية وتابيد إستعماره لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليا وللتدليل على ذلك عدم إتخاذ أمريكا وحلفائها اي إجراءات تقضي بإلزام سلطات الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي تنفيذ تعهداتها وإلتزاماتها للأردن ولمنظمة التحرير الفلسطينية المنصوص عليها في إتفاق اوسلو وفي ديباجة وبنود المعاهدة الأردنية الإسرائيلية اللتان ابرمتا برعاية أمريكية .
أضف إلى ذلك عدم الإيفاء باي من تعهداتها للإمارات وللبحرين وللمغرب عند توقيعها إتفاقيات الإذعان مع " إسرائيل " بضغط من الرئيس الأمريكي ترامب فيما يتعلق بالشق الفلسطيني وهذا ما تسعى إدارة الرئيس بايدن حاليا لإعادة تدويرها مع المملكة العربية السعودية لربطها بإتفاق أمني لقطع الطريق أمام تعزيز العلاقات السعودية الروسية الصينية ولإعاقة الإتفاق السعودي الإيراني الذي يعزز حاليا ومستقبلا أمن الإقليم والخليج العربي بعيدا عن النفوذ الأمريكي خاصة والأجنبي عامة كما يعمل على إزالة شبح الحروب البينية مسفرا عن إعاقة إن لم يكن وقف عجلة إدماج " إسرائيل " بقلب الوطن العربي وبالتالي إجهاض المخطط الأمريكي بإبرام إتفاقيات مع الكيان الإستعماري الإسرائيلي الإرهابي وخاصة مع المملكة العربية السعودية لما تحتله من مكانة جيوسياسية وإستراتيجية ودينية ودور ريادي دون أن ينفذ الكيان الغاصب إنهاء إحتلاله للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة خلافا للمبادرة العربية وللقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية ودون أن تنفذ او تلتزم أمريكا بتعهداتها بعد تحقيق أهدافها وخاصة في البعد الفلسطيني ولكن السياسة السعودية المبنية على التوازن في العلاقات مع قطبي العالم ومع مراعاة ضمان مصالح وأمن وإزدهار السعودية مركز دول الخليج العربي ستسقط رهان الولايات المتحدة الأمريكية على نجاح سياستها القديمة المتجددة بالإستمرار بخداعها للسعودية كما عملت سابقا ببيع الكلام المعسول وبإدارة الصراع دون حله وما موقف أمريكا من الحرب في اليمن وتوجيه الإنتقادات للسياسة السعودية ومن فلسطين بتمكين الكيان الإستعماري الإسرائيلي من كسب الوقت لتابيد إحتلاله الإرهابي والإستمرار في إرتكاب جرائمه وتمكينه الإفلات من المساءلة والعقاب إلا دليل دامغ على ذلك .
السياسة السعودية :
المتتبع للسياسة السعودية منذ الإعلان عن ما يسمى بمبادرة بايدن يخلص إلى :
* أن القيادة السعودية تتعامل بيقظة وبحذر مع المشروع الأمريكي .
* فرض مصالحها وإستقرارها على رأس الأولويات على طاولة البحث ومن هنا جاءت المطالب بالحصول على مفاعل نووي سلمي وعلى السلاح المتطور الذي لا يقل عن مواصفات ونوعية السلاح التي تزود به أمريكا الكيان الإستعماري الإسرائيلي العنصري مع إدراك القيادة السعودية الحصول على مطالبها من دول أخرى دون فرض شروط وإملاءات عليها .
* اما فيما يتعلق بالإتفاق الأمني مع أمريكا فهو بالأساس مصلحة أمريكية قبل أن يكون مصلحة سعودية والقيادة السعودية تعي جيدا ان مثل هذا الإتفاق يحقق أهداف أمريكا ومصالحها لضمان نفوذها في المنطقة العربية عامة والخليجية خاصة ويشكل قيدا على سياسة الأمير محمد بن سلمان على بناء علاقات متوازنة مع دول العالم وبالاخص بالعلاقة مع أمريكا وروسيا والصين .
فالمشروع الأمريكي يأتي بهدف ربط المنطقة بالنفوذ الأمريكي مسبقا في مواجهة إفرازات ونتائج الحرب في أوكرانيا بولادة نظام عالمي متعدد الأقطاب .
كيف للسعودية ان تحقق نصرا تاريخيا :
في خضم المرحلة الدولية القادمة بولادة نظام عالمي جديد بقطبين او اكثر تتضح حاجة أمريكا الماسة للسعودية لمكانتها ودورها وموقعها الإستراتيجي مما يمكن ويؤهل السعودية لفرض وجودها كلاعب فاعل على الساحة العالمية من مربع المشارك لا التابع او المتلقي .
هذه الحاجة والضرورة الأمريكية للمنطقة عموما للسعودية خاصة تشكل فرصة ذهبية لتحقق إنجاز بل نصر للسعودية يسجله التاريخ وذلك ببعديه :
* العربي والإسلامي .
* الفلسطيني .
البعد العربي والإسلامي :
إرغام أمريكا الإعتراف بالدور العربي والإسلامي بعنوانه السعودي كقطب مستقل وإنتزاع قبول عضويتها كدولة دائمة العضوية بمجلس الأمن وهذا ليس بخيال .
البعد الفلسطيني :
الإعلان بكل وضوح بأن لا توقيع إتفاق مع الكيان الإستعماري الإسرائيلي العنصري قبل إنهاء الإحتلال لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليا وعاصمتها القدس عمليا وليس نظريا بإطلاق وعود حيث ثبت ان لا ثقة بالكيان الإستعماري الإسرائيلي الذي ينقلب على إلتزاماته المبرمة وفق الإتفاقيات الثنائية عدا عن رفضه الإعتراف بالقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وتنفيذ اي منها وذلك عبر ممارسة الضغط على الإدارة الأمريكية للإضطلاع بواجباتها كدولة دائمة العضوية بمجلس الأمن ومن خلال نفوذها على " إسرائيل " :
* إما للشروع الفوري بإنهاء إحتلالها لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليا خلال فترة قصيرة لا تتجاوز بضع أشهر .
* وإما اللجوء لتنفيذ القرارات الدولية وفق البند السابع وفي مقدمتها قرارات الجمعية العامة التي تحمل أرقام 273 و 181 و 194 وقرارات مجلس الأمن بدءا من قرار رقم 2334 الصادر في كانون الأول لعام 2016 وصولا لقرار مجلس الأمن الصادر عام 1948 الإعتراف بإسرائيل عضوا بالأمم المتحدة وفقا لقرار التقسيم رقم 181 وما يعنيه ذلك من الإعتراف التلقائي بالدولة العربية الفلسطينية .
* الكف عن سياسة تمكين الكيان الإستعماري الإسرائيلي العنصري الإرهابي الإفلات من المساءلة والعقاب على جرائمه المصنفة دوليا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية او ترقى لذلك في سياق حرب تطهير عرقي وحرب إبادة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل من السلاح عبر إستخدام الفيتو بمجلس الأمن وبالضغط على المحكمة الجنائية الدولية لوقف إجراءاتها بحق إسرائيل .
يمكن للمملكة العربية السعودية ان تحقق نصرا تاريخيا في هذه المرحلة الإنتقالية للنظام العالمي عبر فرض شروطها :
— من موقع الندية اولا
— والحاجة الأمريكية الماسة ثانيا والتي يشهد نفوذها العالمي في آسيا وإفريقيا تراجعا ملموسا
— بصلابة الموقف السعودي بعدم توقيع اي إتفاق أمني مع أمريكا او مع الكيان الإرهابي الإسرائيلي قبل تنفيذ المبادرة العربية الصادرة عن قمة بيروت عام 2002 وهذا أضعف الإيمان .
— وبرفض الضغوط الأمريكية مدعوما بموقف عربي وإسلامي ومن الدول الصديقة المؤمنة بتصفية الإستعمار انما وجد وبحق الشعب الفلسطيني بالحرية والإستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ومسلحا بحاجة أمريكا للمنطقة العربية لموقعها وثرواتها خدمة للأمن القومي الإستراتيجي الأمريكي وفق تصريحات مسؤولي الإدارات الأمريكية المتعاقبة.....