بقلم | عمر حلمي الغول
أمس السبت أسوة بالأيام ال246 السابقة من حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني من قبل إدارة بايدن وحكومة الحرب الإسرائيلية شهد مجزرة وحشية جديدة سقط فيها ما يزيد على 210 شهداء وما يفوق ال400 جريح من أبناء الشعب العزل والابرياء، ومازالت دورة الموت والدم والابادة والتجويع والمرض تتواصل على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والوطن عموما مقابل إطلاق سراح 4 مخطوفين من الاسرى الإسرائيليين.
وتعتبر العملية الإسرائيلية الأولى التي يتمكن فيها جيش الإبادة الإسرائيلي وأجهزته الامنية من الافراج عن أسرى إسرائيليين احياء بعد دخول الحرب شهرها التاسع، واعتبرها رئيس الحكومة وأركان حربه إنجازا، ومنحته بعض القوة في الداخل الإسرائيلي، وكان من نتائجها المباشرة تأجيل غانتس، عضو مجلس الحرب المصغر مؤتمره الصحفي، حيث كان من المقرر أن يعلن انسحابه من الحكومة بعد 3 أسابيع من المهلة، التي منحها لرئيس الوزراء ليطرح خطة لإدارة الحرب، واليوم التالي لها على القطاع، ومن السابق لأوانه القطع بانسحاب رئيس كتلة المركز ورفيقه ايزنكوت من الحكومة في ضوء التطورات الجارية. رغم ان بقاءه في الحكومة يضعف موقعه في المنافسة مع نتنياهو.
ومن المعلومات التي بثتها وسائل الاعلام الإسرائيلية، أن هناك فلسطيني اتصل مع مركز شرطة إسرائيلي قريب من الحدود مع غزة من جوال اسرائيلي، وأبلغهم عن وجود بعض الاسرى الإسرائيليين في بيت قريب له في النصيرات، وانه مستعد للتعاون معهم مقابل مبلغ من المال يصل الى 3 مليون دولار اميركي وخروجه مع عائلته من القطاع، وعلى الفور تواصل معه ضابط من الشاباك طيلة الفترة الماضية خلال الأيام الماضية، وبعد التأكد من المعلومة، تم تحويل المبلغ له، وتم إخراجه قبل أيام من العملية.
وتمت العملية بالتعاون بين الجيش الإسرائيلي والقوات الأميركية الموجودة في الرصيف المائي على شواطئ غزة، الذي اعيد تثبيته اول أمس الجمعة، وهو ما يؤكد ان الإدارة الأميركية مازالت تقود دفة الحرب، وليست شريك فقط لإسرائيل، وهذا ما أكدته سابقا من ان الرصيف المائي له أغراض عسكرية واقتصادية وسياسية تستهدف تهجير أبناء الشعب الفلسطيني من القطاع، وهو أحد اهداف حرب الإبادة المعلنة، ولا صلة له بإدخال المساعدات الإنسانية، وانما هي ذريعة مفضوحة لإدارة بايدن للتغطية على دورها في حرب الإبادة واليوم التالي للحرب.
كما ان الرئيس الأميركي والرئيس الفرنس عقدا مؤتمرا صحفيا أمس السبت في باريس، رحبا فيه بالأفراج عن الاسرى الإسرائيليين، ولم يشيرا الى الضحايا الذين سقطوا نتاج المجزرة الوحشية، التي ذهب ضحيتها قرابة ال700 شهيد وجريح، وهو ما يكشف عار الولايات المتحدة الأميركية، التي تدعي رغبتها ب"وقف الحرب" على القطاع، وتوجهها لمجلس الامن لطرح ما سمي بالمبادرة في صيغة مشروع قرار جديد امام مجلس الامن الدولي، الذي عليه العديد من الملاحظات من قبل القطبين الصيني والروسي وغيرهم من الدول. بيد ان مشروع القرار، الذي ترفضه إسرائيل، مع انه من صنيعها، وهي التي قدمته للإدارة الأميركية، لا اعتقد انه سيمر في مجلس الامن غدا الاثنين.
السؤال هل ما حققته إسرائيل وسيدتها اميركا يعتبر انجازاً؟ المدقق في المجزرة وما نجم عنها من ضحايا مقابل الافراج عن 4 رهائن، مع أن المفاوضات جارية في الدوحة والقاهرة لإبرام اتفاق لتبادل الاسرى الفلسطينيين والإسرائيليين، يكشف هزال ما تحقق. لا سيما وان الحرب دخلت شهرها التاسع، ولم ينجز سوى ارتفاع عدد ضحاياها، حيث بلغت حتى اليوم قرابة 37 الف شهيد و87 الف جريح غير المفقودين، وبخلاف عمليات التدمير الهائلة في محافظات القطاع الخمس.
لكن حكومة الحرب كانت تبحث عن انجاز ما لتبرر حربها الوحشية والفاشية على الأطفال والنساء والشيوخ والابرياء عموما من المدنيين الفلسطينيين، كما اننا جميعا نعلم، أن نتنياهو وحكومته ليسوا مستعدين لوقف نيران الحرب الاجرامية، لأن ادامتها يخدم مصالحهم الشخصية والأيديولوجية، وهذا ما أكده غالانت وزير الحرب قبل يومين، وهو يحلق في أجواء القطاع والضفة، من أن المفاوضات ستستمر تحت نيران الحرب. بتعبير آخر لا نية لإسرائيل بوقفها.
كما يبرز أسئلة آخرى، هل يستمر الاشقاء العرب وخاصة مصر وقطر في مواصلة الوساطة، واستخدامهم كغطاء لإدامة حرب الإبادة؟ أم سيعيدوا النظر في دور الوساطة؟ وهل ستواصل حركة حماس في المفاوضات؟ والى متى؟ ولماذا لا تشرك منظمة التحرير فيها لتعزيز الموقف الفلسطيني؟
اعتقد ان كل من مصر وقطر ستطالب بإعادة نظر في الاليات المتبعة، والحصول المسبق على إلزام إسرائيل بما يتم الاتفاق عليه، وإن لم يفعلوا سيساء لدورهم. كما أجزم أن حركة حماس ستبقى في دائرة المفاوضات، حتى وان توقفت لبعض الوقت. لان ما يهمها هو سلامة قياداتها، ودورها في اليوم التالي للحرب، وبالتالي لا اعتقد انها ستوافق على إشراك المنظمة باي دور، لحساباتها الخاصة. وهذا سيضعف دورها التفاوضي، ويخسرها رصيدها في الشارع الوطني.
مجزرة النصيرات الوحشية أمس تتطلب من القيادة الفلسطينية أولا عدم الرهان على اية خطط أميركية. لأنها هي من يقود الحرب، وهي ليست معنية نهائيا بمصالح وحقوق الشعب الفلسطيني؛ ثانيا مطلوب منها خلط الأوراق في المشهد الدائر، وتأكيد حضورها على الصعد المختلفة؛ ثالثا كما ان الضرورة تتطلب من الاشقاء العرب عموما والسداسية خصوصا استخدام أوراق القوة العربية لوقف حرب الإبادة الجماعية على اشقاءهم الفلسطينيين؛ رابعا على الأقطاب الدولية دور هام في الضغط الفعلي على الإدارة الأميركية لوقف الحرب، من خلال تعميق عزلتها الدولية لتتراجع عن استهتارها بالرأي العام الأميركي والدولي، والتوقف عن استباحة المنابر والهيئات الدولية عموما ومجلس الامن خصوصا.