بقلم هلال سلام :-
دون أن يعلق أحد على الخبر، إلا على الهامش وفي سياق البكائيات وإحصاء عدد الضحايا، سقط صباح أمس السبت 8 حزيران/يونيو 2024، أكثر من 200 فلسطيني وجُرح نحو 400، على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، خلال عملية وسط مخيم النصيرات. وقد سُجّل هذا الرقم، في حين لم تنته بعدُ عمليات البحث والانتشال من قبل طواقم الاسعاف.
كان صباح حرب عادي للغاية في مخيم النصيرات، رحلات بحث عن مياه وطعام وكهرباء، وصوت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية يضجُّ في الرؤوس مع أسئلة كثيرة تبدو واضحة على وجوه سكان غزة هذه الأيام.
ومن كان ليعرف أن سماء المخيم، ستُفتح، فجأة ودون مقدمات، ثم تُمطر رصاصاً ونيراناً وصواريخ وقذائف ورعباً لا ينضب.
في مشهد سينمائي، هرع سكان مخيم النصيرات إلى بيوتهم راجين سماء آمنة، مذهولين من أهوال ما رأوا، كلٌّ يتفقد صغاره وعائلته، وأحباءه. ساعتان من الجحيم كاملتان، كان فيهما الموت والحياة مجرد احتمال. وسؤالٌ واحدٌ يخرج مبحوحاً من الجميع: هل اقتحم الجيش الإسرائيلي مخيم النصيرات؟
عملية خاصة في وضح النهار
عند ساعة الهجوم الأولى، اختلطت الأقاويل عند الشعب المذعور في مخيم النصيرات؛ فلان يقول: "إنه اجتياح النصيرات". وآخر يعلق: "يبدو أنها النهاية، لقد وصلوا مخيمات وسط غزة".
ووكالات الأنباء تقول: "حدث غيرُ مفهوم". وكانت تقطع هذه الحيرة، بين فينة وأخرى، أنباءٌ عن مقتل أشخاص تعرفهم ولا تعرفهم. فيزداد الرعب؛ موت وأصوات صواريخ تعلو، وجنازيرُ دباباتٍ تتقدم، وخطى مرعوبة تركض في الشوارع بحثاً عن مأوى.
جاءت العملية الخاصة في مخيم النصيرات اليوم لتعزز الرؤية الإسرائيلية، ولتضع كل من يسعى إلى صفقة مع حماس في موقف ضعف
ساعتان من التخبط في المجهول، وبين الاحتمالات. ثم بدأ الجحيم بالانحسار شيئاً فشيئاً، ليتبيّن أن ذلك هو عملية محدودة، كما وصفها جيش الاحتلال الإسرائيلي لاحقاً، هدفها استعادةُ مختطفين، حددهم جيش الاحتلال في مخيم النصيرات بعد جهود استخباراتية استمرت لأسابيع، وفقاً لتصريحاته.
أربعة مختطفين إسرائيليين هم نوعا أرغاماني، وألموغ مئير جان، وأندريه كوزلوف، وشلومي زيف، تمت استعادتهم بعد ساعتين من النيران التي لم تتوقف. انتهت العملية بالنسبة للإسرائيليين بالاحتفال والانتصار. أما بالنسبة لحركات المقاومة في قطاع غزة، فقد انتهت العملية، أيضاً، بتعليق القيادي في حركة حماس سامي أبو زهري، على الحدث، قائلاً: "إن ما حدث ليس إنجازاً". أما رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية فأكد: "الاحتلال لن يستطيع أن يهزمنا بالقوة".
ولكن العملية لم تنته عند الشعب الفلسطيني في غزة، واستمرت كمأساة عند الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن، والعائلات التي فقدت بيوتها. وظل الضجيج عالياً في رؤوس جميع سكان المخيم كلما لاح أمامهم عدد الضحايا الذين فاق عددهم 200 شخص، سقطوا خلال العملية الإسرائيلية التي لم تتجاوز ساعتين من أجل تحرير 4 أسرى إسرائيليين فقط.
على صانع القرار "المقاوماتي" في غزة أن يتأمل هذا الخبر: مقتل ما يزيد عن 200 فلسطيني في غضون ساعتين خلال عملية اسرائيلية لتحرير 4 مختطفين فقط، وأن يتفكر فيه جيداً.
ربما يصل إلى قناعة نابليون بونابرت بأن "الله يصطف مع صاحب المدفع الأكبر"، وأن الكف حين تكثر جراحها، ربما يكون عليها أن توقف مقارعة المخرز، وإلا لن ترى إلى أي حد وصل السوء بجراحها.