شبكة يافا الإخبارية
https://t.me/yaffaps
الوعي الزائف | شبكة يافا الإخبارية

الوعي الزائف

بقلم - محمود ابو الهيجاء - رئيس تحرير جريدة الحياه الجديدة .

منصات وفضائيات إعلامية عديدة، عملت، وما زالت  تعمل على تخليق الوعي الزائف، وتعميم الرومانسية الشعبوية، للحديث عن  "طوفان الأقصى" والذي غدا مع  هيمنة الوعي الزائف، حديثا بالغ التحليق الرومانسي بتحميل الطوفان رواية تجاوزت حتى رواية "حماس" البراغماتية عن الطوفان، وغاياته الأساسية، التي لم تعد حاضرة تماما في مطالب "حماس" لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ..!!!

الوعي الزائف ببساطة شديدة هو الوعي المخالف للواقع، ومعطياته، المخالف لا المختلف، فالواقع الذي نعيش اليوم، لحظة بلحظة، هو واقع الحرب المدمرة، التي تشنها إسرائيل الصهيونية الدينية، على فلسطين قاطبة، لأجل تدمير قضيتها، ومشروعها الوطني التحرري، هذا الواقع لا يراه الوعي الزائف كما هو بخطورته التدميرية هذه، وإنما كما تراه مفاهيمه، ومقولاته، ورغبوياته المطلقة، فيظل مخالفا للواقع ومتعاليا عليه..!!!

خطورة الوعي الزائف أنه وعي مخادع، بتحليل رغائبي، ولغة يقينية، ولطالما كان هذا الوعي بحقيقته هذه، هو وعي تلك القيادات السياسية، والعسكرية الحمساوية، وجماعاتها، لكنه، وعلى ما يبدو، بات كذلك، وعي بعض النخب الثقافية، والأدبية، وبعض كتاب الصحافة، وبعض مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، المأخوذين برومانسيات الغلو الشعبوية، وشعاراتها البراقة وليدة الوعي الزائف …!!! 

ثمة مفاهيم، ومقولات تعبوية، منزوعة من سياقها التاريخي، الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعسكري، لا تطابق الواقع الراهن، وتخالفه، يواصل الوعي الزائف ترويجها بوصفها المعبرة عن الواقع بكونها الصحيحة أيا كانت موازين القوى المتحكمة فيه …!!!! ومن ذلك مثلا، مقولات الناطق العسكري الحمساوي، وخطب إسماعيل هنية، ومؤتمرات أسامة حمدان الصحفية، ومطلقات المحلل العسكري والسياسي ..!!! 

الأبرز في هذا السياق،  كمثال على هيمنة الوعي الزائف، استحضار السنوار لأمثولة كربلاء (…!!!) الذي من الواضح أنه لا يعرف عنها شيئا، فلا هو الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه وأرضاه، الذي جنح للسلم أولا، ولم يجنح للمعركة، ولا نتنياهو، يزيد بن معاوية الذي قيل إنه أكل أصابعه ندما على ما جرى في كربلاء ..!!، ولا طوفان الأقصى كان بحسابات القلة القليلة، التي ارتضت في كربلاء الشهادة، لأجل انتصار قيم الحق والعدل والسلام، وإنما كان الطوفان بحسابات إيرانية سياسية، استهدفت تغذية مصالحها التوسعية "وإرواء شجرة أحلامها بالدم  الفلسطيني" حسب تعبير الكاتب والإعلامي المصري خالد البري، في مقالة له في صحيفة الشرق الأوسط. 

الحاجات والغايات التعبوية لا تبرر الوعي الزائف، لكنها قد تكون كذلك عند القيادات الحمساوية، أما أن يراها بعض المثقفين والأدباء بعين هذه القيادات، فهذه هي المعضلة، لأن لهؤلاء لغة الملاسنة، والتحاجج من باب حرية التعبير ..!!! والواقع أن هذه الحرية عند هؤلاء تسير باتجاه واحد فقط، هو اتجاه تخوين كل رأي مخالف لهم، وعلى نحو مطلق تخجل منه النزاهة الأدبية والأخلاقية. 

نفهم أن يردد بعض العامة فبركات "حماس" بشأن التنسيق الأمني مثلا، لكن أن يردد بعض الكتاب ذلك، فهذا في الواقع تعبير عن انعدام التأصيل المعرفي عند هؤلاء، وتمكن الوعي الزائف منهم ..!!! وعلى سبيل المثال لا الحصر،  فيما يتعلق بانعدام التأصيل المعرفي، اكتشفنا عبر التجربة، والمعايشة، وعلى نحو لا يقبل المغالطة، أن الكثير من الماركسيين العرب، والفلسطينيين، ما كانوا كذلك حقا، لا في المعرفة، ولا في الانتماء الأصيل، وإنما ركبوا موجة  النظرية التي كانت في أوج حضورها الرومانسي، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، الحضور الذي وعد بمثاليات مطلقة، بعدما وصف الإمبريالية بأنها نمر من ورق (..!!!) ووعد بهزيمتها وهزيمة القوى الرجعية، بعد أن رفع ضدهما أكثر الشعارات تطرفا في ثوريتها (..!!)  انتهى العديد من هؤلاء الماركسيين، كما بتنا نرى اليوم، إلى التوسل بخنادق الرجعية، والتحالف معها، والتنظير لأطروحاتها المتكلسة والمنغلقة على حالها، لا بل إن بعض هؤلاء، أفرادا ومنظمات، باتوا يعيشون تمويلا، تحت جناح هذه الرجعية، التي هي في حسابات الماركسية التي طالما تباهوا بها، اليمين العفن..!!! 

لن تنفع التوصيفات المخادعة التي يطلقها مثقفو الوعي الزائف على الأحزاب الإسلاموية لتعظيم شأنها …!! كوصفهم لهذه الأحزاب مثلا بأنها أحزاب الإسلام الجهادي (..!!!)  وكأن الإسلام بنسخ متعددة والعياذ بالله، الإسلام دين العقيدة السمحة، الوسطي بلا جدال، بليغ التوحيد، والرسالة الأخلاقية، والداعي إلى طريق الحق والتقوى، بالتي هي أحسن، فلا إسلام قطعا هناك سوى هذا الإسلام. 

لا يعرف أصحاب هذا الوعي، أو لعلهم يعرفون دون تحسب، إن توصيفهم الإسلام على نحو ما يقولون، إنما يعززون "الإسلاموفوبيا" في العالم الغربي، وخاصة عند قوى هذا العالم، العنصرية المتطرفة، تماما كما فعلت "داعش" وكما تفعل مليشيا الأحزاب الإسلاموية حتى الآن.

يبقى أن نقول بقدر ما يخالف الوعي الزائف الواقع والحقيقة، بقدر ما يتعاطى مع الأوهام التي تصور له المستحيل ممكنا، وهذه المسألة في الواقع هي واحدة من معضلات إسرائيل الوجودية، فإسرائيل ما زالت تتوهم أنه بالإمكان القضاء. على فلسطين وقضيتها قضاء مبرما،، والسبب الرئيس المنتج لهذا الوهم أن إسرائيل أساسا أنشئت بناء على وعي زائف، أوجدته روايتها المؤدلجة!!!