شبكة يافا الإخبارية
https://t.me/yaffaps
حرب الكونغرس على الجنائية | شبكة يافا الإخبارية

حرب الكونغرس على الجنائية

عمر حلمي الغول

دولة تاسست وقامت على الإبادة الجماعية لسكان اميركا الشمالية الأصليين (الهنود الحمر)، واتسمت بالوحشية ضد شعوب الأرض في القارات المختلفة من العالم من خلال الحروب التي شنتها على الدول، وتبلغ نحو 100 حربا وعدوانا، وقضت 93% من تاريخ وجودها، أي بما يعادل 222 سنة، الذي لا يزيد على 250 سنة، وهو ما يدل على أنها، دولة وجدت لصناعة وإنتاج الحرب والعنف والإرهاب والابادة الجماعية، كما يحدث في فلسطين المحتلة طيلة 463 يوما حتى الان، أي أنها لا يمكن ان تكون دولة قانون، ولا علاقة لها بالديمقراطية وحقوق الانسان، التي تدعيها، بل العكس صحيح، انها دولة مارقة ومنحطة ومدمرة للحضارة البشرية، أو تعتقد قياداتها وادارتها المتعاقبة بأن الحضارة لها ولحلفائها وادواتها، وليست من حق شعوب الأرض المسالمة، أو المناوئة لها.

هذه الدولة الأميركية الإمبراطورية تعتبر من أحط وأبشع الحضارات الإنسانية، وأكثرها همجية وفتكا بالبشرية، ومازالت وستبقى دولة منتجة للحروب والإرهاب والابادة بأشكال ووسائل متعددة، ووفقا لذلك يفترض أن تكون على رأس القوائم السوداء في العالم. بالتالي ليس مستغربا عليها ملاحقة القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية كافة، رغم انها هي من بادر عام 1944 بتأسيس هيئة الأمم المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية 1945، ولكن ليس بهدف تنظيم العلاقات والدولية وحماية شعوب الأرض، انما لتحقيق أهدافها ومصالحها الحيوية في العالم.

ولم يكن إقرار مجلس النواب الأميركي مشروع قانونها بفرض عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية أول أمس الخميس 9 كانون ثاني / يناير الحالي مفاجئا، أو مستغربا، الذي صادق عليه 247 صوتا مقابل 155، وانضم لنواب الحزب الجمهوري 42 نائبا من الحزب الديمقراطي، وتضمن القرار النقاط الاتية: أولا منع قضاة وإداريو الجنائية الدولية، الذين يلاحقون الاميركيين وحلفائهم من تأشيرة دخول الولايات المتحدة؛ ثانيا اعتبار إجراءات الجنائية الدولية غير شرعية وتهدد بلادنا والحلفاء؛ ثالثا يجب إدانة إصدار مذكرة ضد نتنياهو وغالانت بأشد العبارات؛ رابعا على الولايات المتحدة إلغاء أي تمويل مخصص للجنائية الدولية؛ خامسا يجب معارضة أي إجراء من المحكمة الجنائية ضد بلادنا أو إسرائيل أو أي حليف آخر؛ سادسا حظر المعاملات العقارية لقضاة وإداريو المحكمة الجنائية داخل الولايات المتحدة. سابعا أكد أن المحكمة لا تتمتع بأي سلطة قضائية على إسرائيل. ولاعتماد قرار الكونغرس يفترض مصادقة مجلس الشيوخ عليه، الذي بات يسيطر عليه الحزب الجمهور بعد الانتخابات في 5 تشرين ثاني/ نوفمبر 2024، الذي يتوقع ان يناقش مشروع القانون قريبا.

ولتبرير القانون الأميركي الجديد، ادعى رئيس مجلي النواب الأميركي، الجمهوري مايك جونسون، أن المحكمة ساوت بين إسرائيل وحماس، وتناسى تاريخ الصراع الممتد لما يزيد عن القرن، وأن الصراع العربي الصهيو أميركي ليس وليد 7 تشرين أول / أكتوبر 2023، أي أن الصراع ضد الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه السياسية والقانونية، التي كفلها القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية كافة ذات الصلة بالمسألة الفلسطينية، وعددها نحو الالف قرار أممي، ويتناقض مع ما تنادي به الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو منذ 13 أيلول / سبتمبر 1993، أي حل الدولتين للشعبين، والمقصود به تحديدا إنهاء وإزالة الاحتلال الإسرائيلي عن أراضي دولة فلسطين، واستقلالها وفقا لقرار التقسيم 181 الدولي الصادر في 29 تشرين ثاني / نوفمبر 1947، الذي قامت على أساسه دولة إسرائيل اللقيطة. وبالتالي حصر الصراع بين حماس وإسرائيل، هو قلب للحقائق، وانتهاك فاضح لحقوق ومصالح الشعب الفلسطيني العليا.

ولا أضيف جديدا، لذاكرة أعضاء الكونغرس والإدارات الأميركية المتعاقبة بعد أوسلو، أن من أعطى الضوء الأخضر لوجود وانقلاب حركة حماس على الشرعية الوطنية هو الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن كان يمول حماس بالأموال القطرية واشنطن وتل ابيب بإرسال الأموال عبر مطار اللد وسيارات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، التي كان يحملها المندوب القطري محمد العمادي لقيادة حماس في قطاع غزة، وكلا الدولتين من خلال مخططهما التدميري للكيانية والشعب الفلسطيني، ساهمتا بدفع الأمور دفعا ممنهجا لما حدث في إبادة الشعب في حرب "السيوف الحديدية" و"حرب القيامة الأميركية الاسرائيلية بعد 7 تشرين اول / أكتوبر 2023 لاستغلاله ذريعة لتحقيق هدفهما المذكور انفا.

ومن صيغة قرار الكونغرس الأميركي يتضح بشكل جلي، ان الإدارة الأميركية وحلفائها دول فوق القانون، ومن حقهم ارتكاب أي جريمة حرب وإبادة ضد أي من شعوب ودول العالم دون أية ملاحقة قانونية في المنابر الأممية المختلفة. تأكيدا على استباحتها للقانون الدولي، لاعتقادها أن الهيئات الدولية أقيمت للتغطية على جرائم حربهم، كما ذكر نتنياهو، بأن المحاكم الدولية قامت من أجل حماية إسرائيل، وليس الشعب الفلسطيني، وعليه ترفض مع سادتها حتى اليوم اعتبار ما يجري إبادة جماعية عليه. آن للعالم ان يرتقي لمستوى المسؤولية لنبذ الدولتين الأميركية والإسرائيلية وكل من يدور في فلكهم، فهل يتمكن قادة الأقطاب الدولية بتفعيل قرارات الشرعية الدولية ولوائح هيئة الأمم المتحدة لملاحقتهم جميعا؟